عبد الواحد حمزة
شكرا للرفيق لحروني العلمي وللحزب الاشتراكي الموحد – فرع تمارة- الصخيرات – تامسنا، الذي احتضن الندوة الأولى في برنامجه السنوي الإشعاعي الثقافي والسياسي ولتكوين الأطر، داعيا باقي الأساتذة وكافة المهتمين العمل على كتابة مذكراتهم ونشرها، وإخضاعها للنقاش العمومي، لما يمكن أن تسديها من نفع على الناشئة والمجتمع برمته.
– مرحبا بالحضور الكريم – شكرا للأستاذ نور الدين عبد قدري الذي قدم قراءة أدبية ولغوية متميزة في عمل الأستاذ الحبيب الدراوي عبد السلام.
– مرحبا بنا جميعا في حضرة الأستاذ الكريم السيد الحبيب، الذي تحمل عناء السفر واستقدم من تطوان/ المدينة الجميلة، ليرجع لها في نفس اليوم، بعد نهاية الحفل التكريمي له. وبتواضعه المعهود، فهو لم ينتظر كل تلك الحفاوة التي خصه بها تلامذته/ أطر مغرب اليوم، من مهندسين وأطباء وغيرهم، وكذا عمله – المختصر – آملين جميعا أن يعيد الزيارة – مرات ومرات – لأنه لا زال في جعبته الكثير والكثير مما يقال، ومما يناقش، وهو الذي لم يصدر – لحد الآن – إلا النزر اليسير من مسوداته، ظانا منه أنها لن تجد التقدير والاعتبار والاهتمام المستحق، إلا ذلك الذي وجدته في صفوف تلامذته، وفي صفوف المهتمين بالشأن العام والشأن الثقافي والإبداعي، على وجه الخصوص. لقد وعدنا بذلك وسننتظره، آملين أن تأخذ مذكراته – التي بين أيدينا اليوم ، والتي ستأتي في المستقبل لا محالة- الحيز والقيمة التي تستحق، ويأخذ الرجل التكريم الذي يستحق، وقد يعود لنا ونعود له يوما لمناقشة باقي مذكرته وما بطن من إبداعاته مشكورا.
الشكر موصول – أيضا – للأستاذ والرفيق عبد قدري على التقديم والمناقشة العميقة – في مجال الأدب و اللغة والفكر، التي قدمها لـ”الأعراس”، وعلى استخراجه للنسق الفكري للمذكرات .
اسمحوا لي بالمساهمة المتواضعة والسريعة لمناقشة إحدى أفكار وأوراق الأعراس/ القسم في نقاط مختزلة، قد تكون “إعتباطية” – إلى حد معين، والتي اعتبرها الأستاذ عبد قدري “قراءة بنيوية تكوينية لتلك المذكرات، وهي في الواقع أسئلة أساسية كبيرة/ إشكالية:
– ما مسألة التعليم ومنهاج التدريس في مدارسنا التعليمية، والجامعية؟
ما قضية التعليم الخصوصي، وأي موقف؟ أي منهاج متميز؟ هل هو مختلف حقا عن منهاج التدريس في التعليم العمومي؟ وأي موقف للحزب؟
– ما دور الأنشطة الموازية – من خلال ما تعرض له المؤلف- في تخريج النخب/ النشطاء الجمعويون والحزبيون والسياسيون؟
– ما الأفق البيداغوجي – السياسي الذي تسمح به قراءة الأعراس؟ ما الموعظة من حكاية/ قصة أهل الكهف، كما حبكها أفلاطون – فلسفيا، مرورا بقصة “أهل الكهف” وتعرجا على “غار حراء”(…)؟
– كيف يمكن لثلاثين مليون وسبعة (37 مليون) أن تخرج من ظلام التخلف والتأخر والتبعية، وأن تجعل من حضارتها المتميزة نبراساً للتقدم والتحرر والانعتاق؟
– ما الدرس المستخلص من الأعراس؟ ما أهمية الثقافة في تكوين الشخصية لدى الأطفال/ التلاميذ ولدى الأطر المسؤولة وفي العمل الحزبي الجاد؟ وهو ما سيسمح لنا بإعطاء بعض عناصر الحزب الذي أخذ على عاتقه إشعال شمعة عوض لعن الظلام.
ثم أي درس أكبر يمكن استخلاصه – من الأعراس – بالنسبة لواقع ولمستقبل المغرب وآفاق تطوره، مما يكون التلاميذ والطلبة قد تمرنوا عليه، واستصاغوه، وفهموا جدواه، وذلك انطلاقا من الأقسام/ الفصول/ الأعراس؟ ومن منهجية الأستاذ الحبيب التدريسية ، ومن بعض التمارين وإعطاء المثال والدرس من بعض التطبيقات على منهاجه وطرق تدريسه؟.
سنعالج ذلك من خلال ثلاث نقط:
القسم الأول: الأستاذ الحبيب وإذكاء متعة التعلم وإفادة التعليم وجدوى المعرفة والثقافة (…) التلاميذ – التلميذات/ “أطر المستقبل والحياة”!.
القسم الثاني: الدرس من “قصة أهل الكهف” عند أفلاطون وعند الحبيب أو مسألة “الثقة في النفس” والدفاع عنها وشموخ الكرامة والمواطنة!!.
القسم الثالث: بعض عناصر للنقاش المسألة التعليمية- التعلمية لدى حزب الشمعة.
القسم الأول: الأستاذ الحبيب وإذكاء متعة التعلم وإفادة التعليم وجدوى المعرفة والثقافة (…) لدى التلاميذ – التلميذات/ “أطر المستقبل والحياة”
من الملاحظ أن الأستاذ اعتمد الحكاية والقصة القصيرة والملخصة، كأداة للتدريس – فكان فضلا عن هذا – يعتمد – أرسطو – في السؤال والحوار والاستقراء والاستنتاج والتخليص/ خلاصات للنقاش الدائر داخل الفصول/ الأعراس ! فتْح النقاش والحوار كان مما يسمح به الأستاذ الحبيب، بل ومن مشجعيه – كباقي جيله من “الأساتذة – القضية” – ممن عاصروه ! وهي واحدة من أدوات/ مهارات الأستاذ التدريسية التي وظفها – بوعي – في التعليم أكان عموميا أو خصوصيا؛ بل وفي مشواره خارج الفصول/ الأعراس، في المجتمع المدني (…).
من المواضيع المحرجة – في الحقبة التي درَّس فيها الأستاذ الحبيب – كان موضوع مناقشة أي اختيار تعليمي لأبناء المغاربة؟ كما أن البعد الإيديولوجي كان حاضرا بقوة في الفضاء العام وداخل المؤسسات التعليمية، بشكل خاص. وكثيرا ما كانت القضية الفلسطينية – وهي القضية الوطنية – رسميا وشعبيا – تُستعمل لشحذ العزائم ولتقوية الانتماء القومي – العُرُوبي والنضالي لدى الناشئة، وفي كلا الموضوعان، كان للأستاذ الحبيب موقف متوازن.
على مستوى التدريس، لم يكن استحضاره لأشعار محمود درويش – مثلا – من باب التعنت والصخب الإيديولوجي، كما كنا نجده لدى عدد وافر من مناضلي أحزاب اليسار خاصة، سماعا لأشعار درويش – مُغنّاة من طرف مارسيل خليفة أو قعبور، أو غيرهما، مثلا، أو في التعبئة النضالية داخل المقرات الحزبية – اليسارية – أيام ازدهار المشروع الاشتراكي واليساري عموما – أو في التظاهرات الطلابية – التلاميذية (الوداديات، التعاضديات، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب،…) أو العمالية- النقابية والتنسيقيات الفئوية (…)، حيث تُتلى أشعار درويش على الملأ وتغنى في الجبهات والمعارك النضالية، وإنما كانت تدرس كلغة شعرية وكبلاغة وإعجاز أدبي وصور جمالية، إلخ، لتطوير الذوق والإحساس الأدبيان لدى النشء (…)، أولا وقبل كل شيء، ولتكوين الشخصية المغربية الواعدة والمستقلة!
وفي ما يتعلق بالمنهاج التعليمي كان الحوار والنقاش سيّدا الموقف، حيث اعتبره الأستاذ الحبيب – بمعيّة تلاميذه – نبراساً لتوليد الأفكار ولتكوين الشخصية وتعضيد الموقف العقلاني الراشد والموضوعي (…) والمستقل (…).
ومن المواضيع الشائكة التي أريد أن أعالجها ولو بشيء من “الاعتباطية”، فهي تدور حول إشكالية التعليم عمومي – خصوصي، مختلط وتضامني…؟
هنا، أيضا، لم يكن الأستاذ الحبيب يفرق بين تلاميذته، أكانوا في هذا التعليم أو الآخر، ولم يكن يفرط في أسلوب التدريس الذي يعتمده، أيا كان، حتى انه غادر “مدرسة خاصة”، لا لأنها خصوصية أو حرة، ولكن لأن من لا “شأن تربوي له” يتدخل في مسائل تربوية خالصة لا يفهم فيها. إنه المحترف بالتدريس، والآباء، وإن كانوا حلقة في العملية التعليمية – التعلمية، فإنهم لا يفقهون في التعليم بالأهداف ويغيره، ولا يستطيعون إذكاء مَلَكة الفهم والتحليل والنقد لدى التلاميذ (…) بشكل احترافي!
ومن الواضح انه لم يكن له حكم مسبق – أي أيديولوجي – من التعليم هنا أو هناك، وهو الذي نعت أبناء الخصوصي “بفوارس”، حيث تساءل في بداية التحليل: هل حقا “فوارس التعليم الحر” مختلفون في شيء عن العمومي؟ كل التحليل الذي لحق تعبير عن حب وتقدير لهم، -تماما- وبنفس القدر – ولربما دون إشعار بأي اختلاف يذكر – لما يكنه لتلاميذ العمومي – الذي عاشرهم طوال أهم وأجمل طور في حياته! لقد لاحظ وساهم في أن يكون تعليمهم دون ميز أو تفضيل حيثما درَّسهم. فلاحظ مشاركتهم في الفصل – العرس، وجنوح إبداعهم – هم كذلك – وحتى على مستوى الأخلاق والتعامل، فلم يُسطّر أي شطط في احترام الدروس ولا في الانضباط إلى أدبيات القسم/ العرس الأخلاقية (الاحترام والاحترام المتبادل بين الأستاذ والتلاميذ وكذا التلاميذ/ات فيما بينهم وبينهنّ…).