قالت حسناء أبو زيد إن عبد الرحيم بوعبيد نذر أخلاقا وأسلوبا ووطنية لحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” وجعل منه مولد وصانع منعطفات سياسية وفكرية وثقافية لوطن بأكمله.

وأشارت أبو زيد في الندوة التي نظمتها مؤسسة عبيد الرحيم بوعبيد، اليوم السبت، بمناسبة تخليد 30 سنة على رحيله، أن عبد الرحيم بوعبيد هندس انتقالا فكريا وسياسيا وإديولوجيا لحزب “الاتحاد الاشتراكي” ووضعه في قلب صراع جديد بأدوات جديدة، وأنتج إلى جانب العديد من قادة الحزب ومناضليه مدرسة سياسية وطنية قادرة على هندسة الجواب الوطني المعبر عن تصور الحزب للمصلحة الوطنية.

وأضافت ” لن يثق المغاربة والمتعاطفون والمتعاطفات في نسخة من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لا تحتكم إلى إطار مرجعي واضح وملزم في تصورها للمصلحة الوطنية، ولن يصبح هذا التصور خاضعا للحسابات والتكتيكات والاستراتيجات الفردية والقراءات التبريرية للوضع السياسي والاقتصادي والفكري ولهندسة السلط في المغرب”.

وأوضحت أن هذا ما عكسته نقطة التحول الصعب والموجع للحزب سنة 2002، وهو ما نشهده أيضا من تداعي في شكل سقوط حر لرمزية ووضعية حزب كبير سيبقى رمزا.

وأكدت أبو زيد أن مستقبل كل مشروع للحزب يجب أن يستند على أطروحة واضحة يتم تفصيلها في إطار خط سياسي، ولما لا عبر برنامج تعاقدي، لكن يجب السعي أكثر من هذا إلى بناء ولادة جديدة لحزب “الاتحاد الاشتراكي” ضامنة لتحول تحديثي حيوي في حدي الوفاء للهوية والانطلاق نحو المستقبل.

وأبرزت أن هذا يفرض الانطلاق من قراءة وضعية الحزب السياسية، مؤكدة أن مستقبل الحزب مرتبط بمستقبل المغرب، مشيرا أن المرحلة أثبتت منذ اعتماد الدستور الجديد إلى اليوم أن الإصلاحات السياسية والدستورية معزولة عن ثورة ثقافية وقيمية يجعل المأزق أكبر مما نتصور.

وزاد ” طالما عبرت أدبياتنا أن توسيع صلاحيات رئيس الحكومة، ومأسسة المجلس الحكومي والفصل بين السلط وتوازنها واحترام المنهجية الديمقراطية لا  يمكن أن تكون معزولة عن ثورة ثقافية وقيمية تربط النخب بمسؤوليتها، وتربط الإصلاح الدستوري بقدرة النخب على تفعيله وإحيائه وعدم بثره في كل تجربة حكومية”.

وشددت أبو زيد أن المغرب يعيش حالة تحول من تناوبات سياسية إلى تناوبات انتخابية فجرت مضمون السيادة الشعبية العامة، وجعلتنا أمام تقزيم للمكتسب الدستوري المتعلق بالفصل 47، أصبحنا أمام صبغة سياسية للحكومة هي فقط السعي نحو المرتبة الأولى لملء الالتزام الدستوري.

وتابعت ” ما رأيناه أن التناوبات قطعت ولم نعش تناوبات سياسية بالقدر ما عشنا تناوبات انتخابية، وأصبح ما فتحه الدستور من أبواب هو فقط حالة من السباق المحموم لاستقدام القوى الانتخابية المحترفة القادرة على حمل أي حزب وبأي مرجعية وأي نوع من المناضلين إلى المرتبة الأولى لقيادة حكومة المغاربة بعد دستور 2011.

ولفتت إلى أن هذا الوضع يجعلنا الآن في حالة كساد سياسي يعيشها المغرب بعد محطة 8 شتنبر والتي رسخت في أذهان المغاربة أن التناوبات السياسية المؤطرة بمرجعيات فكرية وسياسية وإديولوجية ليست قائمة بأي شكل من الأشكال.

وأضافت ” فلنتصور غدا ماهي حمولة المنهجية الديمقراطية والحكومة السياسية المنتخبة؟ وماهي قدرتها في التأسيس لتحول سياسي حقيقي”.

وأبرزت أبو زيد أن الاتحاد الاشتراكي خاض صراعا مريرا ضد تصورات تعتبر أنه يمكن بناء دولة قوية بشبه أحزاب، أو أن نساكن بين دولة قوية وأحزاب ضعيفة على طريق التنمية التي يقال أنها ستقود بعد ذلك إلى الديمقراطية.

وأكملت بالقول ” يبدو جليا من كل ما شهدناه منذ سنة 2007 ومن كل مشاريع إعادة هيكلة المشهد السياسي بناء على قراءة خاصة، أن المغاربة لن يقبلوا هذا الوضع بدليل حجم الإقبال على ممارسة سياسية عبروا عنها بأشكال مختلفة منظمة وغير منظمة قالتها الملاعب الكروية والمقاطعة الاقتصادية، وتحدثت عنها تعبيرات فنية تلقائية”.

واعتبرت أبو زيد أن جائحة كورونا كشفت حالة من اللياقة التي تحركت عبرها الدولة المغربية في الاستجابة لما فرضته الجائحة من حفظ للنظام العام، واتخاذ قرارات في السياسة الدوائية، ومن دعم اجتماعي ومالي وأشياء كثيرة.

وأكدت أن هذه اللياقة تمت خارج أي إشراك أو حتى أثر للمؤسسات المنتخبة جهويا ومحليا، وفي غياب لأي أثر لمحرك نقابي أو دينامية مدنية، فبدت كل المجهودات التي بذلها بلدنا منذ أول تجربة جماعية أننا نشارك في تمثيلية سياسية تأثيثية والتي بدى أنه لا حاجة لها في اللحظة الصعبة التي عشناها.

وأضافت ” هذا يجعلنا نعيد حساباتنا بشأن هذه التجربة لأنه لا يمكن لأي ديمقراطية إلا أن تمر عبر تقوية التنظيمات والمؤسسات المنبثقة عن التمثيليات المحلية والجهوية والنقابية والمدنية”.

وأكدت أبو زيد أن المغرب تقوده حكومات متعددة في ظل نفس الحكومة، أولها ظهرت خلال مناقشة مشروع قانون المالية، ورأينا كيف أن الوزير في الميزانية يتحدث عن تطبيقات وتوجهات مالية مجانبة تماما للتصريح الحكومي والتزاماته بشأنه الحماية الاجتماعية.

وزادت ” هذا يدفعنا للتساؤل هل يجوز في مغرب اليوم أن يكون المآل هذا المستوى من التراجع في التدبير السياسي للسلطة السياسية لأن كل مهامنا هي تأثيث المشهد الدستوري دون فعل حقيقي واضح”.

وشددت على أن الانتهازية داخل حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” لم تعد ذلك السلوك المرفوض والمعزول بل أصبحت أنموذجا متكاملا لسلطة حزبية، وهذا يؤثر بشكل كبير على صيرورة وأداء الحزب، مؤكدة أن الحزب يعيش أزمة قطائع بنيوية لا تجعله يخرج من حالة الأزمة التي يعيشها.

وخلصت إلى أن مستقبل “الاتحاد الاشتراكي” مرتبط بقدرته على بلورة تصور جديد للنضال داخل مؤسسات المجتمع، مشيرة أن الأجوبة التي قدمت منذ سنوات على أهميتها أصبحت اليوم غير قادرة على الإجابة عن أسئلة أصعب وأعقد، لأن كل الأجوبة السياسية والاقتصادية التي قدمت حول احتكار السلط والتقليدانية والاحتكار والفساد البنيوي لأنها لم تعد شافية وتفتقر لأدوات التفعيل.

ولفتت إلى أن جاهزية المجتمع لإبرام ثقة تعاقدية مع “الاتحاد الاشتراكي” أصبحت أضعف مما كانت عليه، بالإضافة إلى أن البيئة الداخلية للحزب لم تطور ذاتها، ولم تسعى إلى بعث حالة نضالية جديدة، أذكتها الاستراتيجيات الفردية داخل الحزب.

وأكدت أن الحزب لا يمكن أن يمر نحو ولادة جديدة دون أن يحرص على التحولات التي يراها المجتمع، والتي ترتبط أساسا بضميره الجمعي بصورة القائد ذي المرجعية، مضيفة ” نعم نبحث عن حزب مؤسسات لكن هذا لا يتم خارج فكرة القائد والزعيم ذي المصداقية”.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *