محمد يوسفي
ليست التفاعلات في الصحراء مع مقابلات المنتخب الوطني المغربي كنظيرتها في باقي المدن، وهذا الإختلاف الذي سنحاول التعريج على بعض ملامحه وتجلياته ليس حالة شاذة او سلوكات عابرة بقدرما هي متكررة منذ زمن مع مباريات أسود الأطلس، خاصة الحاسمة وفي الفعاليات الدولية وكذلك الشأن مع الفرق الوطنية لكن بنسبة أقل حدة… تفاعلات وسلوكات طبعنا معها عبر السكوت عن إثارتها، والموضوعية تقتضي الوقوف عند تبايناتها.
نشرع في مستوى ثاني في جرد بعض تمظهرات وتجليات هذه التفاعلات ومستوياتها، لكن قبل ذلك تجدر الإشارة إلى الخريطة الديموغرافية المحلية التي تتوزع إلى داخليين وصحراويين، وضمن الصحراويين هناك مغاربة إما فطرة او بشكل مكتسب، وهناك من يرفضون هذه الصفة. وتتباين التفاعلات بحسب توزع الساكنة على هذه الروابط الاجتماعية والثقافية او الحلقات الإجتماعية إذا أردنا استعارة وصف “جورج زيميل”. ففئة الداخليين هي فئة غير منسجمة نسبيا تختلف وتتوزع في ميادين عدة، لكن رغم كل شيء يجمعها حب الفريق بشكل طبيعي او معطى سلفا، وهي نفس حالة بعض الصحراويين الذين يعتبرون أنفسهم مغاربة، رغم ما قد يكون لهذا الإعتراف من فاتورة اجتماعية. فاتورة أو ضريبة تكون أقسى إذا تعلق الأمر بكرة القدم وتشجيع المنتخب وقد لا تكون كذلك إذا تعلق الأمر باعتراف سياسي لغاية او مصالح ضيقة.
أما أولائك الذين يرفضون مغربتهم، اللهم إذا تعلق الأمر بوثائق إدارية كالبطاقة الوطنية أو الشغل، والذين في الغالب تكون تفاعلاتهم مع فوز المنتخب، وبشكل أدق مع فرحة المغاربة في العيون سلبية، ينقسمون لشقين. صنف من ضمنهم نشطاء الجبهة بالعيون، نشطاء لا تعوزهم الجرأة لرفع راية “الجمهورية الصحراوية”، ولا للخروج في وقفات كترافع نضالي عن قناعاتهم، هؤلاء في الغالب يترفعون/يتحاشون الاحتكاك ومشاهدة المقابلات في المقاهي، وقد يعبرون عن امتعاضهم من فرحة المغاربة في الفضاء الافتراضي.
أما الصنف الثاني وضمنه حالة “الكرطية فالمݣازة والجبهة فالدار” (وللأمانة استقيت هذه الجملة من تصريح لصحراوي كهل يصف فيه ارتزاق البعض، أما أنا فأرى أن الإرتزاق والنفاق الأكثر فضاعة هو في شعار “المغرب فقصر المؤتمرات والعنصرية فالقهوة”). وتتباين سلوكات وتفاعلات هذه الفئة بين الأخلاقي الذي قد لا يمتعض لفرحة المغاربة بل قد يهنأهم على الفوز في المباراة (بصحتكم) ولا يحمل اي حقد او كراهية تجاه الآخر، لكن فئة اخرى تصر على الحضور لمقابلات المغرب في المقاهي وتفرح لاهداف الخصوم علنا، وكانت واقعة هدف المغرب الأول الملغي بالفار شاهدة على ذلك اول أمس بعِدة مقاهي بالعيون حين فرح بعض الأفراد بمجرد إعلان الحكم رفضه احتساب الهدف بداعي التسلسل بشكل هيستري، وأحياناً في استفزاز صارخ لمشاعر ووطنية الغير…لكن نية المنتخب المغربي ونية جماهيره حققت المبتغى في المباراة…
لا أدعي هنا انني كنت ملما بجل التفاعلات وتصنيفها/نمذجتها، فقد كانت تفاعلات أخرى ذات طابع شوفيني يصعب تصنيفها. فبالمقارنة مع الفرح لفوز السعودية مثلا خاصة في الستوريات والمنشورات وكأنه فتح عظيم، اختفى هذا مع فوز المنتخب المغربي، واختفت التهنئات والحديث عن الكرة وكأس العالم وأصبح غلاء الأسعار والاخبار السياسة ذات أولوية، بل تبنى البعض خط تحرير نشرة قناة جزائرية اعتبرت فيه أن المغرب لم يلعب!
وعلى سبيل الختم، يتضح أن شوفينية البعض، بحسن نية تجاه قضيته، التي قد نختلف معها، جنت على القضية والترافع من زاويتهم أكثر مما ربحت. وفي لمح البصر اختلطت لدى بعض نشطاء البوليساريو في العيون الأوراق، لتتهاوى فكرة جوهرية استقيتها من علي سالم التامك احد أبرز النشطاء، الفكرة القائلة بأن المعركة عمودية مع النظام المغربي وليست أفقية مع الشعب المغربي، واختلطت المعركة مع النظام مع المعركة مع الشعب، لتضفي عليها غطاء شوفينيا أبعد ما يكون عن النضال والتحرر وروح إرادة الشعوب.
المنتخب المغربي لكل المغاربة وليس منتخب النظام، ولا عزاء لمن حاول أن يعكر فرحة بريئة للشعب اقتنصها من الرياضة في ظل توالي الانتكاسات السياسية الاقتصادية والاجتماعية. وفي الأخير ليس كل مغربي عميل او عياش او مندس او او ..بل هناك أحرار ومناضلين وهو حال كل الشعوب والأمم، بما فيه الصحراويين، لكلٍ مساوءه ومحاسنه، لكن شوفينية بعضكم يصيبها العماء.